الخميس، 10 نوفمبر 2011

حينما يبث الغريب .. احزانه

هذه بعض مشاعر مغترب ... او منفى ... حين اراد البوح ...
متوهما ان البوح قد يهون شيئا مما يعانيه من تباريح الغربة ...
فى غربتى ليس من سلوى ... سوى استدعاء طيوف الذكريات لتؤنس وحدة ابت كل مشاغل الغربة و ما اكثرها ان تؤنسها .

احن الى بيتى ... بيتى الذى ولدت و كذا قضيت فيه كل عمرى ...
احن الى غرفتى ... سريرى الذى كثيرا ما لعبت عليه ...
و قليلا ما رتبته ... و غاليا ما اختبأت تحته خوفا من عقاب سيلحق بى جراء شقاوة اقترفتها ...
وما اندر ما تعرضت للعقاب ... حتى انى لا اذكر مرة او مرتين عوقبت فيهما ...
ذاك انى كنت صغير امى ... امى التى لم تمنح احدا من اخوتى ما منحته اياى من حب و عطف و حنان و تدليلا ...
اشتاق الى حضنها الآمن ايما اشتياق ... اهفو اليه لارتمى فيه فأشعر بأنى بمعزل عن كل مشاغل دنيا استوحشت و تجبرت على ساكنيها بآلام و متاعب و ضغوط تستحوذ بها عليهم فتجعل من شعور الامن املا بعيد المنال ...
فيتعذر هذا الملاذ الا فى حضنها هى ...
اهفو اليها كثيرا و برغم انها قد فارقتنى منذ زمن و الى الابد ... الا ان افتقادى اياها فى الغربة اقسى و ابشع ...
فليس ها هنا قبرها ... أزوره فاشم طيب ريحها ... فيبرد حر شوقى لها ...
وليس هنا سريرها الذى يمثل ملاذا لى كلما نزلت بى نازلة ... او استبد بى شوقى لها ... فانام عليه و اضع خدى مكان خدها
فتبوح العين بأسرار تترفع عن البوح بها الا فى هكذا مواقف ...
اذكر ... و احن الى شارعى الذى ولدت و عشت فيه و لا ازال ... لعبت ... لهوت ... سالت على ترابه دمائى مرات و مرات جراء لعبى فيه
احن الى ضجيجه فى حالته العادية ...
صخبه فى الفرح ...
صمته فى النوازل ...
اشتاق الى جيرانى ... من كنت اصحبه فى ذهابى الى المسجد و فى ايابى ...
افتقد من كان يسأل عن احوالى ... و يدعو لى ...
افتقدهم نساءا و رجالا ... شيوخا و شبابا و حتى الاطفال ... كلهم كانت تجمعنى بهم علاقة طيبة و الحمد لله ...
لا اذكر يوما كانت بينى و بين احدهم بغضاء او شحناء الا فيما ندر و سرعان ما تنقشع و تعود الاجواء
الطيبة الصافية بيننا الى سابق عهدها ...
اشتاق الى هذا الشارع الذى يجمعنى بهم ... اشتاق الى السير على ترابه من جديد ...
اتمنى لو لم افارقه و افارقهم ابدا ...
اشتاق الى اخوانى ... احبتى ... معلمى الخير ...
اشتاق الى من علمونى كيف ادعو الى الله فى كل حركة و سكنة و خطوة و كلمة وفعلا ...
لكم اشتاق اليهم و افتقدهم و افتقد الخير الذى كنت اجنيه بوجودى فيهم ...
اشهد الله انى فيه احبهم ... و لكم ادعوه ان يجمعنى بهم على خير دون فراق ابدا ...
اذكر ايامى معهم فى مسجدى الذى ترعرعت فيه بينهم ... صلينا ... تلقينا العلم ... تلونا القرآن ... تعلمناه ... علمناه ...
اعتكفنا فيه ليال و ليال ... تشاركنا فى اعداد افطارات رمضان سنين و سنين ...
كنا نتبارى فى ابراز روح الايثار فيما بيننا البعض و قبلها فيما بيننا وبين جمهور الحاضرين ...
حتى انى اذكر بعضنا لم يكن ليأكل شيئا يذكر كى يوفر الطعام لاناس جاءوا و لم يكونوا فى الحسبان ...
وكان ذلك بطيب نفس و تنافس فيما بيننا ... من يقدم طعامه لاخواننا من اهالى حينا او من الاغراب ...

كان مسجدى بمثابة منطلق لنا فى كل تحركاتنا ...
لا يتسع المجال احبتى لذكر كم كان المسجد مركز حياتنا فى كل احوالنا و اهتماماتنا ...
ايمانية تعبدية ... سياسية ... اجتماعية ... تكافلية ... علمية ... رياضية ... الخ من شتى مناحى حياتنا الدعوية .
هذا غيض من فيض مما يختلج بصدرى عن حياة افتقدها بكل تفاصيلها ...
حياة بمعنى الكلمة ...
الحياة كما افهما و ارجوها و افتقدها ...
حياة مختلفة عن معنى الحياة هنا فى الغربة ...
فالحياة فى الغربة ... لا تعدو قدر المعنى الاكلينيكى للحياة ...
ميت انت ... ام ان النفس ما زال يدب فى صدرك ...؟!!!
اما عما يحمله هذا النفس من مشاعر و احاسيس فلا مجال لذكره هنا ..
فهنا الغربة يا سادة ... هنا الغربة ..


هناك تعليقان (2):

  1. هاهنا الغربة :)
    كان لدي حلم مجنون في المراهقة و هو أن اجرب طعم الغربةأن اترك كل من اعرفهم ورائي وارحل لكي أعلم هل هناك غربة بالفعل ؟ فلقد كنت أشعر بالغربة دائما

    أظن أن الغربة لها مفاهيم عده فهناك مغربي قال لي يوما " المال في الغربة وطن و الفقر في الوطن غربة "
    لا اعرف لانني لم اجربها حتى يومنا هذا لكنني اؤمن بأن كل بلد يؤذن فيها المؤذن من الممكن ان تكون وطن لي
    و يصبح اهلها اهلي :)والانسان المرن يتأقلم حيثما وضعته الحياة

    وهناك مثل يقول كن كالماء يتأقلم مع شكل كل كأس يوضع فيه :)

    أعادك الله لأهلك سالما و بأحسن حال
    و تقبل الله والدتك في فسيح جناته

    تحياتي

    ردحذف